إشكالية ضعف التعلمات في المواد العلمية و اللغات

Publié le

المصطفى مرادا



وضع التقرير الأول للمجلس الأعلى للتعليم، في جزئه الرابع المخصص لهيئة و مهنة التدريس، (ص57)، تشخيصا يهم المواد التي تحتاج لمجهودات خاصة و إضافية من أجل الرفع من من مستوى التلاميذ في كل الأسلاك الأساسية و الإعدادية و الثانوية، وهي حسب استطلاع الرأي الذي أجري في صفوف المدرسين، مواد الرياضيات و اللغات، وهذه المجهودات المذكورة تبدأ أولا من بوابة الانفتاح على طرائق التدريس الحديثة المنفتحة بشكل كبير على الوضع البشري للمتعلم، لاستيعاب الفوارق في الاستعدادات والذكاء والقدرات، ثم لاستدراك التعثرات التي تحدث إبان عملية التدريس، والتي تظهر للمدرس عقب إجراء التقويم، أما الخطوة الثانية وبالغة الأهمية فتبدأ بعد التقويم، وهي المتعلقة بالدعم التربوي.
ما يفهم من الأرقام المقدمة في التقرير، هو أن الدعم أصبح ضرورة ملحة بل و استراتيجية بالنسبة للعملية التعليمية، ليس فقط لكونه فرصة لترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص، بل لكون غياب تصور واضح يدخل مسألة الدعم في الواجبات الأسبوعية للمدرسة و المدرس، وقد أدى للأسف إلى مراكمة التعثرات عند المتعلم، من سلك إلى سلك، ومن مستوى لآخر، وإذا عرفنا أن مسألة نجاح التلميذ غالبا ما تخضع لعامل رئيسي هو الخريطة المدرسية، فإن النتيجة هي أننا نجد مثلا تلميذا في الامتحانات الإشهادية أي بعد 9 أو 11 أو 21 سنة من التمدرس عاجزا حتى عن كتابة شعبته و مسلكه باللغة الفرنسية، فيكتب في خانة الشعبة « airsA bdA »، أو نجد تلميذا في الشعبة العلمية في السلك الثانوي يحصل على نصف نقطة أو حتى صفر في الامتحان الموحد لمادة الرياضيات. صحيح أن المشكلة أيضا قد تكون في التوجيه، لكن المهم في هذا السياق هو أن هذا التلميذ راكم تعثراته و إخفاقاته إلى درجة أصبح فيها الدعم التربوي غير مجد، فإذا رجعنا إلى حالة التلميذ السابق العاجز عن كتابة شعبته باللغة الفرنسية فهل تمكينه من دعم تربوي لفهم محتوى وأسلوب ولغة رواية «فيكتور هيغو» يمكن أن يكون مجديا؟ ألا تعتبر العملية ضربا من العبث؟
كل ما نريد التأكيد عليه هو أن الدعم التربوي يجب أن يكون خطة حياة بالنسبة للمدرسة العمومية بكل مستوياتها، وليس فقط نقطة في «مختلفات» المجالس التربوية و التعليمية، لأنه بالنسبة للتلميذ الذي لم يتلق دعما تربويا في التعليم الابتدائي، رغم ثبوت تأخره و تعثره، وتم تنقيله «لأقدميته» للتعليم الإعدادي فإنه من الصعب لأي عملية دعم مهما كانت وسائلها أن تستدرك تأخره، بل من الصعب إجراء دعم تربوي ناجح لتلميذ أمي حقيقي، في مادة تفترض مستوى كفائيا و معرفيا مرتفعا.
مصادر المشكلة عديدة ومتداخلة، أولها، أنه غالبا ما يُنظر لمسألة الدعم التربوي بأنه مسألة تطوعية، لذلك تبقى المسألة في حدود المبادرات الفردية المحتشمة و المعزولة، والتي إن نظرنا فيها بعمق، سنجد أنها لا علاقة لها بالدعم التربوي ذي المواصفات البيداغوجية و المنهجية و المؤسساتية بالغة الخصوصية، إذ غالبا ما يسعي المدرس إلى استدراك تأخره في إنجاز البرامج، عبر إنجاز حصص إضافية غير منتظمة يسميها دعما تربويا، فيجمع جميع متعلمي الفصل و أحيانا فصلين مختلفين، في حصة واحدة تطغى عليها هواجسه هو، وخاصة ملء الوثائق الرسمية المتعلقة بإنجاز الدروس، وليس هواجس متمحورة حول المتعلم، فأمام غياب استراتيجية مؤسساتية واضحة وشاملة للدعم التربوي، تصبح العملية على أهميتها رهينة الإرادات الطيبة لبعض نساء و رجال التربية و التكوين.
ثانيا؛ شيوع نمط من الذهنيات في صفوف المدرسين و الإداريين والمفتشين تفسر التأخر و التعثر تفسيرات غيبية وقدرية تسمي تعثر التلميذ : «ما سهلش عليه الله «، أو النظر للمشكلة كأنها تخص الآخرين، بإلقاء اللوم على الآباء تارة وبلعن مدرسي التلاميذ في السنوات الفارطة، والأنكى هو أن هذه الذهنيات لا تتردد في تبرير مواقفها العدمية من تلامذة اليوم، بِلَوْك أسطوانة مشروخة تتحدث عن تعليم زمان ومعلمي زمان، وكيف أن الأب كان يقول للمعلم «اذبح وأنا نسلخ»، وأن التلميذ كان لا يقدر على لقاء المعلم في الشارع خوفا و رهبة منه.
ثالثا؛ ويتعلق الأمر بعامل مهم وهو طريقة الوزارة الوصية في تدبير مشكلات القطاع، وهي طريقة تنم على قدر لا يستهان به من التخبط في رصد الوسائل المرصودة لتحقيق الرهانات المسطرة، ولكي لا يصنف هذا الحكم في باب المزايدات، نقول إنها طريقة تروم حل مشكلة محددة كيفما اتفق من الوسائل، والالتفاف على الوسائل الناجعة، والنتيجة هي استنساخ عدد لا قبل لنا به من المشكلات المستحدثة، لأن التعلم في قسم من 03 تلميذا التي كانت في أغلب المؤسسات التعليمية قبل عشرية الإصلاح، ليست هي 05 في السنة الحالية في أغلب المؤسسات، وهي للمصادفة غير السعيدة، سنة الشروع في إعمال البرنامج الاستعجالي، ومن حيث المبدأ فإن عملية الدعم التربوي لا يمكن أن تكون بشروطها ومواصفاتها إن لم تكن العينة المستفيدة منه ذات مواصفات دقيقة كميا وكيفيا، أما في حالة الاكتظاظ فإننا نكون إزاء 05 تلميذا في حاجة للدعم، مما يعني فتح الباب أمام الميسورين منهم لطرق أبواب الساعات الخصوصية، وبالتالي بداية حكاية أخرى عنوانها التجارة و المساومة والابتزاز..، أو لنكن أكثر تحديدا، إنها حكاية تنصل المدرسة العمومية من مسؤوليتها في توفير المناخ المناسب لتعليم 39% من أبناء الشعب المغربي.
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article