أ ليس المدرس مسؤولا عن تفشي ظاهرة الغش؟ الجزء1.

Publié le

18/05/2010

غشه  لم يمحضه النصح  أو أظهر له خلاف ما أضمره  كغششه.  والغش  بالكسر  الاسم منه  والغل  والحقد...والمغشوش  الغير...  واغتشه واستغشه  ضد انتصحه واستنصحه  أو ظن به الغش 1"

      الغش ضد النصح والإخلاص، أي الغش هو نفاق وإخفاء الحقيقة، والشائع المعروف عندنا هو أن يحصل شخص على نقطة أو شهادة أو عمل بطرق غير مشروعة، فهو هنا ضد الشفافية والمصداقية (الصدق)، أي هو تزوير وأخذ ما لا يستحق، فهو ضد العدل. الغش إذن كلمة جامعة لرذائل شتى وجرائم جلى لا تبقي ولا تذر. لذلك فالغش محرم أخلاقا وشرعا وقانونا.  ومع ذلك لا بد من طرح السؤال الآتي: هل في مؤسساتنا التعليمية، الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعية غش؟

      المراقبة المستمرة والامتحان وسيلتان لتقييم عمل المتعلم، ولا قيمة لعمل لا يقيم. وهما دافعان أساسيان للتعلم عند المتعلم، فلا يمكن الحديث عن تعلم بدون تقييم. لإن المتعلم مهما كان وحيثما كان يعتبر الفرض والامتحان ميزانا يقيس جهده ومستواه، ومن ثم فهما وسيلتان تكشفان المستوى الحقيقي للمتعلم، أي أنهما وخاصة الفرض، وسيلة لكشف الخلل  وهذه هي الخطوة الأولى للتصحيح قبل فوات الأوان. كما أنهما بمثابة تاج يوضع على رأس المتفوقين خاصة، ومن ثم فهما دافعان للمنافسة ومشجعان على المثابرة والمواظبة في الاجتهاد. لكن هل الفرض والامتحان اليوم يحقق هذه الأهداف؟ هل الفرض ميزان عادل يعدل بين المتعلمين ويميز المجتهدين من غير المجتهدين؟ هل الفرض يقيس المستوى الحقيقي للمتعلم؟ هل الفرض والامتحان مازالا تاجين يزينان هامة المجتهدين؟

      إن المدرس حينما لا يحرس المتعلمين أثناء إنجاز الفرض يشجعهم على الغش، فأي تهاون في الحراسة يعد تشجيعا للغش أو هو غش بعينه. فالجلوس في المكتب أو مكان آخر طيلة الإنجاز، أو الدخول والخروج من القاعة ولو أمام الباب، أو قراءة أو كتابة تقصير وتشجيع واضح للغش بقصد أو بغير قصد. إن المتعلم لقادر في رمشة عين على الغش، لذلك نجده حريصا أشد الحرص على اقتناص تهاون المراقب ليخرج ورقة من أحد جيوبه أو أن ينفذ خطة من خطط  الغش المتطورة2.

      إن التهاون في المراقبة والحراسة وبال على ما يسمى التعليم، أي درس نقدم حينما نسمح بالغش أو نتهاون في الحراسة؟ أي خلق نبث في المتعلم ونحن نغض أبصارنا عن الغش؟ ما أقبح هذا السلوك وما أخطره! إن السماح بالغش ساعة الفرض أو الامتحان دعوة إلى التهاون والكسل والخمول طيلة أيام الدراسة، فالتلميذ ليس غبيا كي يتعب نفسه في الانتباه والمراجعة والمدرس لن يراقبه في الفرض، سيلجأ إلى الغش من الكتاب أو الدفتر أو سيطلب الإمدادات من الآخرين.

      الغش خطر على المتعلمين جميعهم، فالمتعثر لن يقوم ذاته بالوسائل الصحيحة المشروعة، ليس في حاجة إلى أن ينتبه ويسهر الليالي، الكتاب يعفيه والدفتر والصديق. وكذلك متوسط الحال سيختار الغش والنقل المباح، وكذلك المجتهد سيفعل. وهو يعلم أنه" من نقل انتقل ومن اعتمد على نفسه بقي في قسمه"، لا ينبت الغش في قلب المتعلم سوى التهاون والكسل والاتكال وفقدان الثقة في النفس. إذ لا يمكن للمتعلم أن يعتمد على نفسه وهو يرى بأم عينيه أصدقاءه يغشون، من طبيعة الحال يعرف أن الكتاب أعلم منه ولا يمسه النسيان أو السهو، وهو يعلم كذلك أن العمل الجماعي أحسن من الفردي، لهذه الاعتبارات سيختار الطريق المعوج للوصول، فكم من مجتهد معتمد على نفسه  تعثر! وكم من غشاش نال الدرجة الأولى! حينما يتعود المتعلم الغش يفقد الثقة في قدراته وذكائه وإعداده فلا تطمئن نفسه إلا للغش.

       وعلى هذا يعد التهاون في الحراسة من أهم دوافع الغش، بل إن التهاون في الحراسة تشجيع صريح على الغش. ويرجع يوسف عياشي تنامي ظاهرة الغش إلى ثمانية أمور وهي:

      "1- تعدد المواد الدراسية وكثرتها مما يستحيل معه إعطاء الوقت والأهمية لكل مادة على حدة.

-2 - طبيعة المقررات الدراسية التي تركز على الكم عوض الكيف،والسرد بدل الفهم.

3 - طول البرامج وكثرة الدروس مما لا يتيح إمكانية شرحها بالشكل المرجو.

-4 -عدم إتاحة الفرصة للتلاميذ قصد الاستعداد بما فيه الكفاية للامتحان.

5 - الدعاية لجدوى وفائدة الغش والترويج للشعار الذي أصبح سائدا ومتداولا بين التلاميذ" من نقل انتقل ومن اعتمد على نفسه بقي في قسمه"

6 - الإحباط الذي قد يصاب به بعض التلاميذ المجدين عندما يحصلون على معدلات تقل عن زملاء لهم ضعيفي المستوى.

- 7غياب هامش التدخل لدى الأستاذ والذي يفاجأ بدوره بالمفارقة السابقة ولا يملك حولا ولا قوة للتصرف وإعادة الأمور إلى نصابها.

8 - التناقض الصارخ بين نقط المراقبة المستمرة ونقط الامتحان مما يؤكد وجود خلل في النظام التقويمي الحالي3"

      لعل يوسف عياشي يعرف حق المعرفة أن هذه الدوافع وحدها لا تشجع الغش، إذ لولا التهاون في الحراسة وهذا من طبيعة الحال غش وتقصير لما استفحلت ظاهرة الغش، حتى غدت في أيامنا هذه أمرا عاديا طبيعيا. لكن ربما لم يذكر يوسف عياشي هذا الدافع احتراما للمدرسين. ومع احترامنا الكامل لهم فإنه لا يسعنا إلا أن نقول إن من السهل جدا أن نخفف إن لم نقل أن نقضي على الغش بالقيام بواجب الحراسة.

      ومسألة الكم والكيف  لا ترتبط دائما بطبيعة المقررات وعامل الزمن، بل ترتبط أحيانا كثيرة بطريقة التدريس، وكذلك بنوعية الأسئلة التي تطرح سواء في الفرض أم الامتحان. كما ترتبط بإهمال وتقصير المتعلم. أما مسألة طول المقرر وكثرة المواد فأثرها محدود، ويمكن مقاومته بتنظيم المراجعة والاهتمام والانتباه منذ بداية الفصل الدراسي. إننا مهما صغرنا المقررات الدراسية وطولنا زمن شرح الدروس وطرحنا أسئلة فهم لا حفظ ومهما بالغنا في التحسيس بأضرار الغش... لن نقضي على الغش إذا لم نحرص على حراسة التلاميذ في الفرض والامتحان.

      نعم، بالغش نجعل المجتهد والمتهاون سواسية، ومن ثم نثبط العزائم وننشر ظلال الظلم على المجتهدين خاصة، فما قيمة هذا الفرض الذي لا يعطي لكل ذي حق حقه؟ وأي خيبة وأي حسرة ستخيم على من تعب وجد واجتهد وبحث وسهر وهو يرى الغشاش قد نال النقطة نفسها أو أحسن منها؟ وفرحة الغشاش فرحة مزورة لأن النقطة مزورة ، فهي في الحقيقة كذب على الذات. وهذا معناه أننا نظلمه هو أيضا.

      شاعت بين المدرسين فكرة حول التنقيط. وهي أن تشكل نقط المتعلمين هرما قاعدته عريضة وقمته ضيقة حادة. بمعنى يجب أن تكون النقط المتوسطة أكثر ثم تليها نقط لا بأس بها ثم نقط ممتازة. وهذا في نظري خطأ لا يقبله عقل سوي، لسبب بسيط هو أنه تزوير للواقع، فالواقع يقتضي أن تكون النقط هرما، لا أن نكون النقط على شكل هرم. والواقع قلما يكون هرما قاعدته عريضة وقمته حادة، لم لا يكون هرما قمته عريضة وقاعدته ضيقة؟ لم لا يكون مربعا أو مستطيلا؟ وما المانع في أن يكون خطا أفقيا مستقيما؟ ولم لا تكون نقطنا خطا عموديا أفقيا؟ ولماذا لا نقبل خطا عموديا ممزق الوسط؟

      علينا أن نتحلى بالشجاعة كاملة غير منقوصة حينما نمنح النقطة، ليس من التربية أن نكذب على المتعلمين وأن نزور واقعهم. علينا أن نقوم بأداء الدرس كما يجب، ثم بعده علينا أن نقوم المتعلمين فيما أدينا بشجاعة وجرأة وعدل وإنصاف، ومن العدل كما قلت أن نمنع حالات الغش وأن نشدد العقوبة على الغشاشين، فلا مانع عندي أن أمنح نقطة الصفر لمتعلم ضبطته في حالة غش، ولا مانع عندي من أمنح نقطة الصفر لمتعلمين أجوبتهم نسخ طبق الأصل، وهذا ليس معناه أننا نرهب المتعلم أو لا نحب أن يحصل على نقطة مشرفة، بل لإننا نحب أن نبث في نفسه الثقة، وأن نعوده على تحمل المسؤولية، وأن نكره إليه الغش، كما نحب أن نشيع العدل بين المتعلمين وأن نزرع الطمأنينة في نفوس المجتهدين. ثقوا أيها المربون أن تشديد المراقبة والغلظة في العقوبة(صفر) مرة واحدة في أول فرض، ستقتل فكرة الغش عند المتعلم

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article