الغش في الامتحانات المهنية وصمة عار في جبين جسد التعليم.

Publié le

الغش في الامتحانات المهنية وصمة عار في جبين جسد التعليم.
02/01/2010
الغش في الامتحانات المهنية وصمة عار في جبين جسد التعليم.

لقد آن الآوان أن يمارس المدرسون النقد الذاتي، ولقد آن الآوان أن يقولوا كلمتهم حول غش السادة الأساتذة، فالغش لم يعد مقتصرا على تلاميذ في المستوى الابتدائي أو الإعدادي أو الثانوي، ولم يعد مقتصرا على أجهزة أخرى كجهاز الأمن وغيره في وطننا الحبيب، بل صار ديدن بعض الأساتذة الذين ما قدروا أنفسهم وما كرموها، بل لقد أهانوا أنفسهم واحتقروا ذواتهم، حين سولت لهم أنفسهم أن يغشوا في واضحة النهار وفي مؤسسات تربوية، تحملوا فيها أمانة التربية والتعليم، وأي تربية وأية أمانة وأي تعليم يرجى من هؤلاء الغشاشين؟

        ها هو الغش الأسود يمشي وبعضَ الأساتذة جنبا إلى جانب، مشية الشجاع المنتصر في "معركة" الامتحانات المهنية. إنها حقيقة مرة، يعتصر لها القلب الحي، ويندى لها الجبين الحيي. إنه لمن العار حقا أن يكون المدرس غشاشا. سواء في الامتحانات المهنية أو غيرها،  لكن زر قاعات الامتحانات المهنية في الناظور مثلا تر العجب العجاب، ترى مجموعة من المدرسين ينقضون عهد الصدق والأمانة والأنفة من الغش والخبث والتحايل والمكر !

      إن هذا الكلام قاس ومؤلم، لكنه هو حقيقة أخلاق بعضنا، إن الغش خلق دنيء ينبغي على المدرسين جميعهم أن يحاربوه، لا بالصمت وغض الطرف والتماس الأعذار لهؤلاء الغشاشين، بل بالتشهير بهم ونهرهم في عين المكان، لأن سلوكهم القبيح لا يمسهم هم وحدهم بل يضرنا جميعا، فهل تستحيوا أيها السادة الشرفاء النزهاء من أشخاص لا حياء لهم؟

      لست أدري كيف يمكن أن يتصور المرء أستاذا يغش غشا حقيقيا واضحا أمام مرأى أصدقائه؟ ولست أدري ما الذي دفع هؤلاء إلى الارتواء من مستنقع الغش؟ هل مُسِخت معارفهم حتى صاروا أميين لا يقوون على كتابة جملة مفيدة في تخصصهم؟ أم أن الانتهازية والجشع وحب الأنا هي الدوافع ؟

      مثل هذه الأخلاق لا يمكن أبدا أن تعيد الاعتبار للمدرس ولا يمكن أن تصون كرامته، فالغش والجشع والأنانية صفات ستجعل المدرس صغيرا في عين المجتمع قاطبة، ولا أحسب أن من يغش في الامتحانات المهنية أمام زملائه سيمتنع عن الغش في أماكن أخرى، في المدرسة وغير المدرسة، فمن هؤلاء الغشاشين من يعد نفسه شجاعا جريئا لأنه استطاع أن يستفيد من مكتبة متحركة محمولة في محفظته أثناء الامتحان المهني، فهو يستطيع بلا حياء ولا خجل أن يقلب أوراق الكتب كي ينقل بعض الأجوبة الآلية منها، وما يثير السخرية أن هؤلاء الغشاشين يتعاملون بغباء مع الكتب مصدر الغش، إذ يظهر أنهم لم يسبق لهم أن اطلعوا على هذه الكتب ولو مرة واحدة، لذلك تجدهم ضالين بين أوراق تلك الكتب، فلا يهتدون إلى النقل منها إلا بمشقة النفس، بعد تقليب أوراق كثيرة، في كتب عديدة.

      إن الغش غش، متى وحيثما وجد، فليس هناك غش أبيض وغش أسود، لذا لا يمكن مهما تعددت التبريرات أن نمدح غش الأساتذة، ونستسيغه، فإذا كان هؤلاء يغشون لأنهم لا يعترفون بمصداقية هذه الامتحانات أو...فإننا نقول لهؤلاء إن كنتم لا تعترفون بمصداقية الامتحان فالغش ليس سبيلا شريفا للترقية، علما أن الغش أيها الغشاشون لا يضمن لكم النجاح، لأن من سيصحح أوراقكم سيرى أدران غشكم على وجه ورقتكم. ليعلم القراء الأعزاء علم اليقين أني لا أذم الغش والغشاشين، إلا لسبب واحد هو قبح وخبث الغش، وما أخبثه حين يصدر من مربٍ!

      ولعل من الغشاشين من يعتبر نفسه فوق القانون، فيخول لنفسه الغش لأنه أستاذ، ومن يحاسب الأستاذ؟ حقا ليس هناك من يحاسب الأستاذ إذا لم تحاسبه نفسه؟ ثقوا أيها السادة الأساتذة أن لا كرامة مع الغش، وتمثلوا دائما وأبدا قول زهير الحكيم:

      ومن لم يكرم نفسه لم يكرم! فلا تنتظروا تكريم واحترام الآخرين ما لم نقدر أنفسنا. ولا تتعجبوا إن انحطت قيمتنا الاجتماعية في أعين الناس، ولا تظنوا أن كثرة المال سترفع مكانتنا، إن المنطق النفعي يقتضي أن من يغش في الامتحان المهني ينبغي أن يسمح للتلاميذ بالغش، و كأنه يخجل من  قول القائل:

      لا تنه عن خلق وتأتي مثله        عار عليك إذا فعلت عظيم!

        لقد انقلبت المفاهيم والمبادئ، فصار الغش حقا، وأضحى من يمنع الغش جانيا، هذه أفكار ملوثة تعشعش في عقول بعض المربين، حتى صرنا في قاعات الامتحانات نحرس الحراس بدل المتعلمين، وهنا ينبغي أن أقول كلاما آخر لن يعجب الكثيرين، هذا القول هو إن من المدرسين من يحتاج إلى ترهيب وتخويف وزجر كي يقوم بواجبه، فكما ينبغي أن نزجر المتعلمين حين يضبطون في حالة الغش، فكذلك ينبغي أن يُزجر المدرسون زجرا أقسى من زجر المتعلمين، لأنهم قدوة. بمعنى أوضح لو زجر المدرس الغشاش في الامتحان المهني لما تجرأ مرة أخرى على الغش الفاضح، ولكان ذلك رادعا للاحقين، وكذلك لو زجر المتهاونون في حراسة المتعلمين في الامتحانات لوقفوا وقفة رجل واحد في قاعات الامتحانات، مع الأسف لا يشرّفنا أن يقوم المدرسون بواجبهم تحت التهديد والزجر، لكني أومن أن الخوف من الزجر والعقاب سبيل ناجع لتنقية التعليم من أدران الغش وغير الغش.

      من تبريرات الغشاشين في الامتحان المهني أن الترقية حق، وأن الامتحان مجرد عرقلة للاستفادة من هذا الحق، لذا كل الوسائل الموصلة لذلك الحق مشروعة، ولو كانت خبيثة كالغش، لكن الحق يا أيها الغشاشون يسري على الجميع، كما هو معروف في القانون، إذ القاعدة القانونية عامة ومجردة، فَلِمَ تستأثرون بهذا الحق عن طريق الغش؟ علما أن الغش لا يعني دائما النجاح في الامتحان كما قلت. ألا اعلموا أن الامتحان سنة الحياة، وأن الامتحان وسيلة لتجديد المعارف و البحث والاطلاع، فهل ترضون أن ترقوا وقد هجرتم القراءة؟ وهل من مصلحة التعليم أن تغلق أبواب القراءة؟

      وختاما أحيي تحية خالصة المدرسين النزهاء جميعهم، الذين يمقتون الغش والغشاشين، وأملي أن يساهم الجميع في تنظيف جسم التعليم من وسخ الغش، سواء تعلق الأمر بالغش في الامتحانات المهنية أو امتحانات التلاميذ والطلبة، أما المسؤولون فأقول لهم كونوا أكثر حزما في مسألة الغش، ولا تأخذكم رحمة ورأفة في زجر الغشاشين. ابعثوا مذكرات تذكر الغشاشين بأن الغش ممنوع، وأن التهاون في الحراسة جريمة يعاقب عليها القانون.


م .م
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article